دراسه سیمیائیه للأقصوصه “روائی الرائحه” للکاتب سالم الباوی

سالم الباوی : رائحته النتنه أجبرتنی على الابتعاد عنه. لا ینفک یروی قصصاً من الماضی. لا أفهم لماذا لا یأتی أحد إلى هذا المطعم اللعین وینقذنی من هذا الرجل الغریب. قمت متجهاً نحو أمین الصندوق. قلت بغضب”لماذا لا تطرد هذا الثرثار؟!”. رفع الرجل رأسه ونظر إلى الرجل الثرثار ثم إلیّ مره أخرى، فقال مبتسماً:- “إنه […]

سالم الباوی : رائحته النتنه أجبرتنی على الابتعاد عنه. لا ینفک یروی قصصاً من الماضی. لا أفهم لماذا لا یأتی أحد إلى هذا المطعم اللعین وینقذنی من هذا الرجل الغریب. قمت متجهاً نحو أمین الصندوق. قلت بغضب”لماذا لا تطرد هذا الثرثار؟!”.
رفع الرجل رأسه ونظر إلى الرجل الثرثار ثم إلیّ مره أخرى، فقال مبتسماً:- “إنه زبون دائم لنا، وبالمناسبه، یتحدث مع الغرباء فقط”.- “لماذا یفعل ذلک؟”. – “لأنّه یستطیع إخبارهم بأی کذبه.”

***********************

سید کاظم القریشی : للوقوف على المعانی الکامنه فی الأقصوصه المسماه “روائی الرائحه” للکاتب القصصی سالم الباوی واستکشاف ما رام فیها و دلالاتها وفک شفراتها، إرتأینا أن ندرسها دراسه سیمیائیه لالتقاط الضمنی والمتواری فیها ونستجلی زوایاها الخفیه. فی البدایه یجب أن نتعرف على المنهج السیمیائی لدراسه النصوص.
أن السیمیائیه أو السیمیولوجیا هی دراسه حیاه العلامات داخل الحیاه الاجتماعیه کما عرفها اللسانی السویسری فردینان دی سوسیر (بنکراد، ٢٠٠٣) و هی دراسه شکلانیه للمضمون، تمر عبر الشکل لمسائله الدوال من أجل تحقیق معرفه دقیقه بالمعنى. و السیمیائیه تحاول الإجابه عن تساؤل وحید هو کیف قال النص ما قاله (حمداوی، ١٩٩٧). وأن التحلیل السیمیائی یتأثر بدرجه کبیره بشخصیه من یقول بالتحلیل وبالظروف المحیطه به (بنکراد، ٢٠٠٣)

*سیمیائیه العنوان*

یعتبر العنوان بنیه مستقله ذات علامه تواصلیه ما بین النص والقاری؛ فالعنوان یشکل لحظه تأسیس الوعی لدی القارئ (بنکراد، ٢٠٠٣). عنوان القصه هو “روائی الرائحه” وهو مکوّن من مفردتین هما مفرده الروائى والتی تشیر إلى النقل والروایه وإعاده ما جرى فی الماضی او السرد القصصی الذی یصدر عن شخصیه الراوی والرائحه و هی عباره عن جسر للتواصل والتفاهم، لکن فی هذه القصه یصفها الراوی بالنتنه مما یجعلها مفهوما سلبیا وتعطی انطباعاً للمتلقی بأن الروائح لها تأثیر کبیر على المشاعر البشریه والأحاسیس. وتلعب الرائحه النتنه دوراً مهماً فی التعبیر عن الرفض والاستیاء والابتعاد عن کل ما هو سلبی

*سیمیائیه الحدث*

تتحدث هذه الاقصوصه عن راوٍ لا یحب الرجل الغریب الذی یرتاد المطعم ویحکی قصصاً من الماضی. یصف الراوی رائحه الرجل الغریب بأنها نتنه وهذا الأمر یجعله أن یبتعد عن صاحب تلک الرائحه. یشعر بالإنزعاج من وجوده و یشعر ایضا بالغضب من البائع الذی لا یطرده. تعبّر الرائحه النتنه عن التواصل السیء فی المجتمع حیث تشیر الرائحه النتنه إلى وجود سمات سلبیه او شیء غیر مرغوب فیه فی المجتمع.

*سیمیائیه الشخصیات*

نجد عده شخصیات رئیسیه وثانویه فی هذه الاقصوصه. هناک الرجل الثرثار والرجل الغاضب والرجل البائع ورواد المقهى

*١. الرجل الثرثار:*

لا نعرف عن هیئته الخارجیه شیئا، فالکاتب لا یخبرنا عن هیئته لأنه یعتقد لا دخل للجسم بهذا السلوک و التصرف. لکن من حیث الجانب النفسی ترمز هذه الشخصیه إلى الجانب المظلم والخبیث فی البشریه ویظل رجل الثرثار رمزا للتحدیات التی تواجهنا فی حیاتنا ویجب التعامل معها بحکمه وحنکه. هو زبون دائم وأنه یتحدث مع الغرباء فقط ویتصف بالکذب حسب تعبیر البائع. مما یظهر أنه لا یجد فرصاً حقیقیه للتواصل مع الآخرین. هذه الشخصیه الغریبه تستطیع ان تکون أی شخص من المجتمع، لأننا لا نعرفه. ولا نستطیع الإشاره إلیه. الشخص السیء لا یکوّن علاقه إلا مع الغرباء. لأن الأقرباء یعرفونه حق المعرفه ولا ینصاعون لأکاذیبه

*٢. شخصیه الراوی:*

نحن لا نعرف عن هیئته الخارجیه قط إذ یبدو لا تعنی للکاتب شیئا. لکنه من الناحیه الداخلیه یظهر کشخص یعانی من الارتباک والضیق النفسی بسبب رائحه الشخص الغریب ویشعر بالتوتر والاضطراب نتیجه لوجود الرجل الغریب وأنه یرغب فی التخلص منه.

*٣. الغرباء (الآخرون)*

هم مرتادوا المطعم الذین یستمعون للرجل الثرثار دون أن یتواصلوا معه. فهم یبقون غرباء کما وصفهم البائع دون نسج خیوط علاقات مع الرجل الثرثار.

*سیمیائیه المکان*

من الممکن أن تحدث هذه القصه فی أیّ مکان. لأن فی کل مجتمع هناک غریب یرید أن یظهر بما لیس فیه کما رجل الرثار. لکن رائحته النتنه تفضحه.یشیر البائع أن الرجل هو زبون دائم مما یعکس عدم وجود تواصل حقیقی بین الناس فی هذا المکان. ویستخدم الراوی مفرده اللعین لوصف المکعم مما یظهر توجهه السلبی تجاه المکان. یمکن اعتبار المطعم رمزا للعالم الملیء بالتحدیات والمصاعب

*سیمیائیه الزمان*

لم یشر الکاتب لزمان الحدث مما یجعلنا نعتقد بان الحدث من الممکن أن یحدث فی أی وقت من الزمن والنتیجه واحده لا تتغیر بحسب تغییر الزمن.

*سیمیائیه الحوار*

تحتوی هذه الاقصوصه على اربعه حوارات بین سؤال وجواب مما یجعل هذه الحوارات تغطی قسما کبیرا من مساحه الأقصوصه وهذا إن دل یدل على اهمیه الحوار فی دفع الاقصوصه إلى الامام و تبیین احداثها وثیمتها. الحوارات مقتضبه ومباشره مما یجعلنا نعتقد بأن التواصل بین افراد المجتمع مضطرب ولا یرتقی للمستوى المطلوب من الحوارات التی تبنی جسورا للتواصل.

النتیجه: قد تکون هناک رساله حول الحذر من الاشخاص الذین یخفون حقیقتهم ویکذبون على الآخرین. القصه تسلط الضوء على اهمیه التواصل الحقیقی بین أفراد المجتمع. کما یقدم النص تناقضا بین الحقیقه والخداع ویدفع القاریء إلى التفکیر عن الجوانب المظلمه فی الطبیعه البشریه.