وفاء الرجال

رستم خنیفر : کانت طریحه الفراش و هى تشعر بوقع اقدام الموت حول فراشها تاره تستسلم للیأس و تاره تتمسک بخیط رفیع من الرجاء. نظرت بعینین کئیبتین یائستین إلى أطفالها الحلوین التى تحبهم حبا یفوق الوصف. حاولت أن تهدأ قلیلا و تتخلص رویدا رویدا من السحب السوداء التى غطّت رحاب فکرها، جمعت افکارها التى شتتها […]

رستم خنیفر : کانت طریحه الفراش و هى تشعر بوقع اقدام الموت حول فراشها تاره تستسلم للیأس و تاره تتمسک بخیط رفیع من الرجاء. نظرت بعینین کئیبتین یائستین إلى أطفالها الحلوین التى تحبهم حبا یفوق الوصف. حاولت أن تهدأ قلیلا و تتخلص رویدا رویدا من السحب السوداء التى غطّت رحاب فکرها، جمعت افکارها التى شتتها الیأس ثم انهالت علیها سیل الذکریات تذکرت یوما من أیام الربیع و هى فى عزّ شبابها کانت تتجول فی قریتها التی تقع على ضفاف نهر الکرخه شابه رشیقه القامه رائعه الجمال ذوعینین واسعتین سوداویتین و کأنها نجمه تلمع وسط القریه تمشى بهدوء لاتلتفت یمنه و لا یسره واثقه بنفسها یحمیها الشرف الرفیع و کان نسیم الکرخه یتلاعب بجدائل شعرها فجأه وقعت عینها فى عین شاب وسیم مفتول العضلات مرتدى دشداشه بیضاء و قد وضع غترته الحمراء على کتفه بطول شعرت بعاطفه قویه تجذبها نحوه لم تشعر بها من قبل، أرادت أن تنظر الیه مره أخرى لکن الحیاء أمسکها حاولت أن تلملم ضفیرتیها الطریتین تحت “شیلتها” لکن کانتا أطول منها. نظر الشاب الیها نظر المحب الولهان و سئل صدیقه الذی کان إلى جنبه:
_ الیس هذه “علاهن” بنت الحاج حسون؟!
_من أین عرفتها یا “عامر” و أنت لست من أبناء قریتنا؟!
_ إنها عشیقتى!!!
_ضحک ضحکه عالیه، لاشک لایرى هذا الجمال شاب و لایتمناه ، لکن کیف عشقتها و أنت لم تراها؟

_ ألم تسمع “و الأذن تعشق قبل العین أحیانا” لقد عشقتها من کلام الناس و صیتها العالی.
_ کن واثقا إن صیدها أصعب من صید الأسد .

و هکذا “عامر ” قد أسّره جمال “علاهن ” و رجع إلى أهله مسلوب الفؤاد و الإراده أما “علاهن ” فطنت من أول لحظه إلى ولعه بها لهذا فى الیوم الثانی جاءت إلى نفس المکان و عند وصولها شعرت بدّقات قلبها تتزاید و قد صبغت وجنتیها حمره الخجل و تکرر نفس المشهد و رجعت إلى بیتها و الحب یرفرف راقصا حولها و من تلک الأیام کأنها اکتشفت کل شىء من جدید کانت فى اللیل تنظر إلى السماء الصافیه و النجوم الساهره و القمر الساطع و عند طلوع الفجر تشمّ نسیم الکرخه فیبعث فی أعماقها شعور حار و بهیج، مبشرا بالحیاه الزوجیه السعیده و عند ما کانت غارقه فى بحر ذکریاتها الجمیله سمعت صوت “أم عامر ” و هى ترحب ترحیبا حارا بالضیوف “أهلا و سهلا و مرحبا زارتنا البرکه ” فعادت “علاهن” من الذکریات الحلوه الجمیله إلى واقعها المریر ، إمرأه مریضه تصارع الموت وهى طریحه الفراش منذ عشره أشهر . ظهرت من بین ستائر الباب عجوز و بنتها العانس قد عرفتهما منذ اللحظه الأولى ثم دخل زوجها عامر مرتدیا ملابسا جدیده!!! فکلهم جلسوا فى غرفتها نظرت “علاهن” بعینین نصف مغلقتین الى من حولها کان الأمر مریبا و مثیرا للدهشه،فى ظاهر الأمر کلهم جائوا لعیادتها لکن هناک زوایا خفیّه أحسّت بها من أول وهله. ثم رکّزت النظر إلى العانس إمرأه تدق أبواب الأربعین و کان “عامر” یختلس النظر إلیها!!! أحسّت الغیره تنهشها نهشا موجعا قطعت الشک بالیقین إن الخبر الذى سمعته فى الأیام الماضیه کان صادقا. شعرت بدموعها تنحدر دون إراده منها، دارت وجهها نحو الحائط و مرّت علیها أیام کانت من أقسى أیام حیاتها و هى لا تأکل و لا تشرب و لاتتکلم إلا تکررّ جمله واحده : آه ما أظلمکم ، آه ما أظلمکم …