الهویه الوطنیه ومسأله الأنا و الأخر

حیدر عقیلی : إن موضوع الهویه من المواضیع المعقده التی لا یمکن حصرها على شکل مقال أو کتاب، إذ أنّ فهم الهویه بکل أبعادها تتطلب مبالغ من الجهد والبحث، أیّ أنها أبلغ من أن تعرّف دون تدشین أو استخدام الآلیات المکونه لها، إلا أننی قد حاولت عبر عرض أهم الحاجات وذلک ضمن نطاق معین أن […]

حیدر عقیلی : إن موضوع الهویه من المواضیع المعقده التی لا یمکن حصرها على شکل مقال أو کتاب، إذ أنّ فهم الهویه بکل أبعادها تتطلب مبالغ من الجهد والبحث، أیّ أنها أبلغ من أن تعرّف دون تدشین أو استخدام الآلیات المکونه لها، إلا أننی قد حاولت عبر عرض أهم الحاجات وذلک ضمن نطاق معین أن أکتفی بما هو لازم لتکوین محتوى ولیس دراسه، لکی أقتحم جانبًا من جوانب موضوع الهویه. إذن یجب أن یلاحظ القاریء الکریم أن ما أقدمه فی هذا المقال لیس دراسه بالدرجه الأولى بقدر ما هو انطباعات عن الهویه بشکل مختصر، لعلنی قد أقدم شیئًا فی انتعاش الحراک المعرفی فی موضوع الهویه.

الهویه:تعرّف الهویه على أنها مجموعه من الخصائص والسمات التی یمکن على أساسها التمییز بین الأفراد وبین مجموعه وأخرى، وکما تعرّف على أنها مجموعه من الانتماءات التی ینتمی إلیها الفرد وتحدد سلوکه أو کیفیه إدراکه لنفسه.
أما فی العصر الحدیث نرى أن مصطلح الهویه فلم یعد یقتصر دوره فی الحقول الفلسفیه والثقافیه، کما أصبحت الهویه تلعب دورًا مهمًا فی میادین السیاسه والمواطنه ومطالبات الحقوق الأقلیه بالنسبه للاعتراف، أی أنها باتت مسأله وجود واعتراف بالدرجه الأولى، من أجل الوصول إلى الغایات المنشوده بالطرق المشروعه، «إذ یرى بعض الباحثین أنّ الهویه کذلک عباره عن ردود فعل المواطنین تجاه السلطات للاعتراف بمزایاهم مثل النهضات الاجتماعیه والنسائیه والأقلیات.» [۱]
ویذهب کثیرٌ من المتأثرین بتیار الحداثه إلى القول بأن الهویه تفسّر على أساس المفهوم الأنسنه والإنسان الحدیث من حیث المواطنه والحریه الفردیه والخ، إذ یقول المفکر (ستیوارت هول) فی هذا الصدد: «إن الهویه القدیمه التی شکّلت لفتره طویله قاعده لاستقرار الفضاء الاجتماعی، هی الآن فی طریقها إلى الزوال، الأمر الذی یستولد هویات جدیده ویجعل الفرد المعاصر بصفته ذاتًا موحده فی حاله من التفتت أی أن الهویه الحدیثه أصبحت منزوعه المرکزیه ومما دفع بعض الدارسین إلى الاستخدام المتکرر لعباره أزمه الهویه.» [۲] وهذا یعنی أن الهویه أصبحت لا تقف على أسس ومفاهیم ثابته أی أنها لا تتمحور على مفهوم محدد وخاص، بل أنها صیروره متحرکه وقد تتکوّن الهویه فی علاقتنا مع الأخر، وهذا ما أشار إلیه (سیتوارت هول) أیضًا: 《أن تکوین الهویه تتم فی حاله العلاقه مع الأخر ولو لا الأخر لما کانت الهویه》 وکما یعتقد أیضًا أن کشف العالم والعلاقه مع الأخر والثقافات المتعدده والمحلیه، والعالمیه تساهم کلها فی عدم مرکزیه الهویه.[۳]

أقسام الهویه:

الهویه الفردیه: هی الهویه التی توضح ماهیه الإنسان وعلى أساسها یتم التمییز بینه وبین الفرد أو الأفراد

الهویه الجماعیه: وهی الصفات التی تتشارکها المجموعات الاجتماعیه.
وهذا ما دفع بعض الدارسین فی العلم الاجتماع وتحدیدًا فی الدراسات الشخصیه إلى التمییز بین الشخصیه المجتمعیه (التی تعنى بالصفات المشترکه لدى مجتمعٍ ما) وبین الشخصیه الاجتماعیه (التی من شأنها تبیین مدى تکییف الفرد مع محیطه أو مجتمعه) إذ ینقل الدکتور (علی الوردی) عن الأستاذه (روث بندکت) فی کتاب (الأخلاق والضائع من الموارد الخلفیه)، عن تعریف الشخصیه المجتمعیه بمثال: «إنّ الصفات فی أی مجتمع هی کالعناصر التی یتألف منها المرکب الکیماوی، إذ هی تتفاعل وتترابط فیما بینها بحیث یظهر من جراء ذلک شیء جدید یختلف فی صفاته عن صفات العناصر المکونه له وهذا ما یطلق علیه اسم الشخصیه المجتمعیه»، [۴]

إذ أنّ لکل مجتمع من المجتمعات البشریه شخصیه خاصه، تتمیز عن سائر المجتمعات، ونرى کثیرًا من الدارسین حاولوا أن یشکلوا نظامًا معینًا ومشترکًا من سلوک الأعضاء بالنسبه لأی مجتمعٍ لدراسته ومعرفه مشاکله.

هذا بینما نرى أن المجتمع الأهوازی لا زال ترتکز هویته الجماعیه على قیم بدویه وماضویه والعصبیه القبلیه إذ أن (الدکتور عبدالله لشکرزاده المیسانی) عدّ العنصر العشیره والقبیله إحدى السمات الشخصیه الأهوازیه فی کتاب (إنطباعات عن الشخصیه الأهوازیه) [۵] ونظرًا للنسیج الاجتماعی إذ یمکن القول إن القبیله تقوم فی مقام الدوله فی معظم المجموعات الأهوازیه. الأمر الذی یؤدی إلى انتماء الفرد إلى الوحده الاجتماعیه الصغیره وهی القبیله بدلًا عن اعطاء ولاءه لوحدته الکبیره المتمثله بالوطن واستعداده للدفاع عنه. فقد صرّح قبل هذا أن لیس من السهل تحدید أی مجموعه اجتماعیه فی إطار سمات شخصیه معینه، غیر أنه أشار إلى أبرز السمات التی لها الدور الحاسم فی تکوین السمات الشخصیه الأهوازیه ومنها الولاء للقبیله، أزمه الهویه و..

ویمکن عدّ العلاقه بین القبیله والوطن علاقه عکسیه ثنائیه، یزداد المتغیّر الأول بنقصان المتغیّر الثانی. وهذا ما نشهده لا سیما فی المجتمع الأهوازی بالنسبه إلى أغلب المجموعات أو التجمعات، إذ إن الوحده الاجتماعیه الصغیره (القبیله) تتغلب على الوحده الاجتماعیه الکبیره (الوطن) أی کلما ازداد الولاء إلى الوحده الصغیره تضائلت بذلک الهویه الوطنیه واندثرت المفاهیم الشعبیه.

الهویه الوطنیه: الهویه الوطنیه إحدى أشکال الهویه الجماعیه التی هی من نتاج الدوله الحدیثه وتترجم روح الانتماء لدى أبناءها داخل مجتمع أکبر مثل الدوله والوطن دون ربط عناصر الهویه الوطنیه بمؤلفات ثابته وغیر شامله وإیدیولوجیات متطرفه التی تسعى إلى تهمیش الأقلیات وتحویل المجتمع إلى نظام طبقی وعنصری وقهر ما هو خارج عن نطاق هذه الهویه المؤدلجه، وهذا ما أشار إلیه المفکر الأمیرکی (دیفید میلر) فی کتاب حول الوطنیه: «إن العناصر المکونه للهویه الوطنیه لیست ثابته وإنما هی عباره عن صیروره متحرکه وأراد المفکر عبر تلک النظریه، معالجه قضیه راهنه آنذاک فی بریطانیا؛ أی الوصول إلى دوله متعدده الثقافات، بحیث بإمکانها ضمّ جمیع المواطنین باختلاف أعراقهم، وانتماءاتهم ولغاتهم و…» [۵]

فالعناصر المکونه للهویه الوطنیه هی قائمه على أساس مفهوم المواطنه والدیمقراطیه والمساواه بین المواطنین، إذ هی تسعى للإعتراف بالإنسان المواطن وکیفیه تکوین العقد الاجتماعی بین المواطنین والدوله الوطنیه، إذ بإمکان الهویه الوطنیه أن تلعب دورها فی تنظیم شؤون کافه المواطنین وتنفیذ مشاریع الدوله من أجل البناء والتقدم على الصعید السیاسه والاقتصاد والثقافه.

أما فی الأنظمه الفاشیه لم تکن الهویه الوطنیه فی أغلب الأحوال تلعب هذا الدور المشروع والشامل، وذلک حین تُفسر على إیدیولوجیات العرق واللغه والدین والخ، وهنا تکمن الطامه الکبرى، حیث تبدأ بانقسام المجتمع وتهمیش بعض المواطنین باعتبارهم الأخر وإنشاء مجتمع طبقی وعنصری یقوم بتصفیه المواطنین بذریعه أنهم الأخر.

الهویه ومسأله الأنا والأخر:

تکوین الهویه کما ذکر فی کتاب (الهویات القاتله) لـ(أمین معلوف) ـ الکاتب والصحفی اللبنانی ـ تخضع للسیاقات، فالهویه تتراجع وتتطور وتنمو تبعًا للسیاقات الاجتماعیه والاقتصادیه والنفسیه ولا یمکن فهم الهویه إلا بمقدار النظر والتقدیر للأخر والعلاقه به، وبهذا فإنّ الهویه فی حاله حراک مستمر، ویذکر أیضا کیف تبدأ الهویه من مبدأ مشروع وتتحول إلى نهایه قاتله، إذ أن تسمیه الهویات القاتله لا تبدو له ضربًا من الغلو لا سیما وأن المفهوم الذی یدینه، ذلک المفهوم الذی یختصر الهویه فی انتماء واحد یحصر البشر فی موقف متحیّز ومتعصب، متشدد ومهیمن لا بل انتحاری فی بعض الأحیان، غالبًا ما یحولهم إلى قَتَله أو أتباع قتلَه، [۶] وهذا هو الأمر الذی أدى بتضییق مسار الهویه؛ أی أدلجتها ضمن نطاق محدود وعلى أساسها تم عملیه التمییز بین الأنا والأخر أو الفصل بین نحن وهم، ونرى الکاتب الأهوازی الأستاذ (عبد الرضا نواصری) تطرق إلى هذا الموضوع عبر کتابه (هویت ملی در گفتمان‌های معاصر ایران) [(الهویه الوطنیه فی الخطابات الإیرانیه المعاصره)] استنادًا بأغلب الباحثین والمفکرین فی هذا الحقل المعرفی، إذ إن حصرَ مفهوم الهویه الوطنیه ضمن مؤلفات محدوده أو تبعًا لنزعات عرقیه وماضویه ودینیه وقومیه وعدم الاعتراف بسائر الأقلیات والمذاهب والأجناس، یدفع البلاد فی حاله من التدهور والحروب الأهلیه ونبذ الحقوق الإنسانیه مثل التطهیر العرقی؛ أی الإزاله الممنهجه لمجموعات إثنیه وعرقیه من منطقه معینه، وذلک من قبل مجموعه عرقیه أخرى أقوى منها. ومن أسالیبها التهجیر القسری والترهیب والإباده الجماعیه.

أهمیه الوعی بالهویه:

إنّ للوعی بالهویه أثرًا لا یُستهان به، إذ أن ذلک ینعکس على الفرد والمجتمع والوطن بشکل عام، وکذلک تعطی لدى الفرد إحساس المسؤولیه على الصعید الفردی والاجتماعی، وتجعله یسعى لنیل الاعتراف تجاه حقوقه ومزایاه المشروعه، وکما هو معروف عن «النظام الدیمقراطی یفسح المجال لدى الأقلیه بإیصال صوتها عبر المنصات والإعلام» [۷] وهذا ما یحفظ التوازن ما بین المواطن والمسؤول.

 

المراجع:

۱. عبدالرضا نواصری. هویت ملی در گفتمان‌های معاصر ایران. چاب اول: ۱۳۹۹. ص: ١١.
۲٫ مروه مختار. ستیوارت هول وتشکّل الهویه الثقافیه. ۱ مایو ۲۰۱۹٫ موقع الفیصل.
٣.عبدالرضا نواصری. هویت ملی در گفتمان‌های معاصر ایران و.. ص۱۶.
۴. علی الوردی. الأخلاق، الضائع من الموارد الخلقیه. الطبعه الأولى: ۲۰۰۷٫
۵. توفیق السیف. دعوه لمراجعه مفهوم الأمه، القومیه، الوطنیه. ۲۳ جمادى الأولى ۱۴۴۲هـ / ۶ ینایر ۲۰۲۱م رقم العدد [۱۵۳۸۰]. موقع الشرق الأوسط.
۶. أمین معلوف. الهویات القاتله. ترجمه نهله بیضون. الطبعه الأولى: ۲۰۰۴٫
٧. دیوید بیتهام و کوین بویل. دموکراسی چیست؟ [(ما الدیموقراطیه)]. ترجمه شهرام نقش‌تبریزی. دار نشر یونسکو. الطبعه السادسه: ۱۳۸۹ش.