ضروره الإصلاح فی إقامه مراسم العزاء

یاسر زابیه : لاشک أنّ النقاش برؤیه یسودها المنطق هو المطلوب فی کلّ مراحل الحیاه إذ یُجنّبنا الاصطدام و المواجهه،ویجلب لنا خیر الدنیا والآخره ، و یُعتبر هو الحلّ الأمثل لکلّ الخطوات التی تتعلق بالمجتمع والعلاقات الاجتماعیه ومسیره الإصلاح التی لابدّ منها. إقناع الآخرین حین اتخاذ القرارات المهمه لایکون سهلًا أحیانًا،خاصه إذا کانوا قد اعتادوا […]

یاسر زابیه : لاشک أنّ النقاش برؤیه یسودها المنطق هو المطلوب فی کلّ مراحل الحیاه إذ یُجنّبنا الاصطدام و المواجهه،ویجلب لنا خیر الدنیا والآخره ، و یُعتبر هو الحلّ الأمثل لکلّ الخطوات التی تتعلق بالمجتمع والعلاقات الاجتماعیه ومسیره الإصلاح التی لابدّ منها.

إقناع الآخرین حین اتخاذ القرارات المهمه لایکون سهلًا أحیانًا،خاصه إذا کانوا قد اعتادوا سلوکًا خاصًّا بغض النظر عن صوابه أو عدم صوابه، و ضف على ذلک إذا کان الأمر ذا صله بمجتمع قبلی یقوم على المفاخره والتنافس والتمسک بالماضی، و یخشى الإصلاح و إن کان یقود إلى الطمأنینه والفلاح وراحه البال.

أفضل مایتحلّى به المجتمع الراقی هو احتکامه إلى العقل، وأخذه واقع الحال بعین الاعتبار، وابتعاده عن التکلّف، وضمان مسقبل براعمه، و اعتماده الإصلاح و التنمیهالمستدامه، وأن یجعل تجارب الشعوب المتقدمه نصب أعینه، وأن یأخذ منها ما یلائمه فی الحیاه ومایتماشى مع التطور. المجتمع الراقی هو الذی یمیّز بین الصالح والطالح، والخیر والشر، و المفید والضار،ویختار الأفضل لأبنائه: “فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِکَ الَّذِینَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِکَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.”

من أهم مظاهر مجتمعنا الأهوازی التی تحتاج إلى الإصلاح هی مراسم إقامه العزاء( الفاتحه)التی أصبحت فی ظل الظروف القاسیه التی یمرّ بها أبناء شعبنا الأبی مکلفه جدًّا. کان فی الماضی عندما تحلّ مصیبه بأحد یتدارکه جیرانه وبنو عمومته و یُسهّلون علیه الأمر من خلال تقدیم الطعام له ولأسرته وحتى للمعزِّین أیضًا،عطفًا منهم علیه ومراعاهً لحالته فی تلک الظروف، بینما الیوم هو الذی یتحمل تکالیف الطبخ وتقدیم الطعام للمعزَّین رغم عمق الجراح والمأساه التی یعیشها بسبب فقدان أحد أحبته ممّا یجعله هذا الأمر فی محنتینِ: محنه مصیبته، ومحنه الطبخ وتقدیم الطعام للمعزِّین وتحمّل تکلفه باهظه هو بغنى عنها.

وهذا هو الذی تحدّثنا الذاکره الإسلامیه عنه، حیث عندما استشهد جعفر بن أبی طالب فی غزوه مؤته، وقد انشغل أهله بهذا المصاب أمر رسول الله(ص) بصنع الطعام لهم ، إذ قال:
“اصنعوا لِآل جعفرٍ طعامًا،فقد أتاهُم مایَشغَلُهُم”،أی أمرهم بطعام “الوضیمه ” الذی یقدّم لأهل المتوفّى ،لأن حالهم لایسمح بتجهیز الطعام والوقوف علیه،فیقوم الأقارب أو الجیران بهذا الأمر وهذا هو الصواب . و هکذا کان یفعل الأهوازیون فی الماضی،ولکن الیوم أصبح صاحب العزاء والمصیبه هو الذی یقوم بصنع الطعام وتقدیمه للمعزِّین.!

قد یکون الحدیث فی هذا المجال مُملًّا لکثیر من الناس ،وبالأحرى لایروق لهم،إذ لایقیمون وزنًا لتقویم الإعوجاج وإصلاح المجتمع ممّا هو فیه، ولایکترثون بما تؤول إلیه الأمور فی المستقبل، ولکن فی ظلّ تقلیص فرص العمل أمام أبناء شعبنا و التهمیش الذی یمارس ضدهم کلنا نعلم أنّهم بحاجه ماسه إلى المال لتحسین ظروف معیشتهم؛لأنّ المال هو حیاه الشعب ولا قیام له إلّا به، ویجب أن لایصرف فی أمور بعیده عن الشرع والاعتدال،بینما أموال کثیره تُسرف وتُهدر فی إقامه مراسیم العزاء، وتذهب أدراج الریاح بحجج واهیه لیست خفیه على القارئ الکریم.!

وللحد من هذه الظاهره على کلّ أهوازی شریف یحبّ التقدم والازدهار والإصلاح لشعبه أن یعارض أمرالطبخ وتقدیم الطعام للمعزّین من خلال ترکه مراسم الفاتحه قبل وجبات الطعام حتى یَشعر صاحب العزاء بعدم بقاء المعزِّی لتناول الطعام، و إلغاء الطبخ بغیه التسهیل وعدم التکلّف. وهذا لایرتبط بکونک فقیرًا أو غنیًا ،بل یعبّر عن شعورک بالمسؤولیه وتضامنک مع المحتاجین والفقراء من أبناء جلدتک التی طحنتهم سیاسه التفقیر بکَلکَلها ومزّقتهم بتطاولها.

من الأمور التی یجب ذکرها هی أنّ أخذ المال أو مایسمّى “الجره”یترتب على الطبخ وتقدیم الطعام مساهمه من المعزِّین لتخفیف وطأه التکلفه الباهضه التی تثقل کاهل المُعَزَّی بالدیون والتکالیف الإضافیه، وفی حال إلغاء الطبخ وعدم تقدیم الطعام فلامبرر لأخذه، ویمکن جبران تکالیف الفاتحه المحتمله من خلال صندوق البیت والأقارب.

وخلو الفاتحه من الطبخ وأخذ وإعطاء المال (الجره)، والاکتفاء بالمواساه وقراءه الفاتحه یضفی علیها طابع مرونه الحضور، والسهوله، والإنسیابیه و الأریحیه ، و یسهّل للکثیرین الحضور فی المراسیم دون النظر إلى جیوبهم الخالیه،ومن ناحیه أخرى یجنّب صاحب العزاء الوقوع فی مصاریف لاجدوى منها.

مَن یشعر بضروره الإصلاح و المسؤولیه تجاه شعبه ومستقبل أولاده وأحفاده علیه أن یقوم بخطوات إصلاحیه کإلغاء الطبخ وتقدیم الطعام، ورفض مشارکه البیارق والهوسه فی مراسم العزاء وإطلاق الأعیره الناریه حتى یساهم فی خلق بیئه آمنه وهادئه لأواده وأحفاده بغیه نمو مواهبهم وازدهارها و قطف ثمارها.

من خصائص مجتمعنا الأهوازی أنّه یطمح إلى حیاه أفضل ،وإلى مستقبل زاهر واعد ،ویعرف أهمیه الموقف والأخطار المحدقه به،وضروره الإصلاح وبناء مجتمع مدنی والمضی قدمًا نحو اکتساب العلم والمعرفه ، ورفع تکالیف الحیاه، والأخذ بعین الاعتبار الظروف الاقتصادیه و الاجتماعیه فی کلّ قرار یتخذه. و الأهوازیون یعلمون جیّدًا أنّ الإصرار على الاستمرار فی الوضع الموجود، وغضّ النظر عمّا هو مطلوب، سیؤدی إلى خسائر إضافیه هم بغنى عنها.

أیّها الأهوازیون الشرفاء دعونا نُحکّم عقولنا ، ونُجنّب أنفسنا تکالیف أمور لم تکن وحیًا منزلًا، ویُمکننا معالجتها من خلال مناقشتها حتى تعود علینا وعلى المجتمع بالخیر الکثیر ،وتوفّر لنا أموالًا نستثمرها فی مشاریع ناجعه،وتحفظ لنا أرواحًا نحن بغنى عن إزهاقها.

حینما تُصرف الأموال فی أمور لا تمت إلى الشرع والاعتدال بصله تُعتبر إسرافًا وتبذیرًا و”إنّهُ لایُحِبُّ المُسرِفینَ”.حسن التصرف بالأموال یجلب السعاده والرفاهیه و الانتعاش ،والتبذیر یجلب الخراب والدمار والإفلاس ،فدعونا نختار الأفضل لفلذات أکبادنا حتى نوفّر لهم ظروفًا مؤاتیه یستطیعون النبوغ من خلالها ،وعرض مواهبهم کی یحققوا أحلامهم وأحلامنا ومانطمح إلیه بإذن الله تعالى.